يعتبر يوبا الثاني من كبار العلماء والمثقفين الأمازيغ إذ كان يمتاز بسعة العلم والاطلاع، وكان كثير السفر والبحث والتجوال وموسوعي المعارف والفنون
ويقف الملك يوبـــــا الثانى فى مقدمة المثقفين السياسيين الأمازيغ. وهو يعتبر من كبار العلماء والمثقفين الأمازيغ وقد ألف كثيرا من الكتب والبحوث والمصنفات ولكنها لم تصل إلينا سليمة، بل ثمة إشارات إليها فى كتب المؤرخين مبثوثة هنا وهناك...
وقد تمكن يوبا الثانى ومن بعده ابنه بطليموس من توحيد القبائل الموريتانية فى إطار مملكة مورية، ويعنى هذا أن يوبا الثانى وحد القبائل الامازيغية فى المغرب واتخذ عاصمتين لمنطقة نفوذه "شرشال" فى الجزائر أو ما يسمى بـ"قيصرية" و"وليلي" عاصمة له فى المغرب. وأنشأ حكما ديمقراطيا نيابيا تمثيليا، وشجع الزراعة والصناعة والتجارة. كما اهتم بالجانب الثقافى والعلمى والفكري، فأعد خزانة ضخمة جمع فيها أنواعا من الكتب والوثائق العلمية والتاريخية، واستقطب نحو عاصمته كبار العلماء والأطباء ، وأمر بجمع النباتات الطبية والأعشاب. وشارك فى رحلات علمية استكشافية داخل جبال الأطلس ونحو جزر كناريا الحالية. وجمع رحلاته العلمية وكشوفاته الطبيعية والجغرافية وأحاديثه عن المغرب فى ثلاثة مجلدات ضخمة سميت" ليبيكا"، ومن أحسن ما تضمنته ليبيكا قصة "الأسد الحقود" التى مازالت تروى من قبل الجدات فى عدة مناطق أمازيغية فى المغرب باللغة البربرية كما ورد فى كتاب "لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين".
ويقول الباحث المغربى محمد شفيق عن يوبا الثانى بأنه كان يكتب "باليونانية فى التاريخ والجغرافيا والفلسفة والأدب وفقه اللغة المقارن، فتعجب من نبوغه" فلوتارخوسPlutarkhos" ومن كونه" بربريا ومن أكثر الأدباء ظرفا ورهافة حس"....ونصب له الأثينيون تمثالا فى أحد مراكزهم الثقافية...تقديرا لكفاءته الفكرية. وقد نقل عنه علماء العصر القديم، وحسده معاصروه منهم ونفسوا عليه نبوغه، بصفته بربريا ، وكأن نفاستهم عليه تسربت إلى نفس المؤرخ الفرنسى Stéphane Gsell، إذ ما فتئ Gsell يحاول أن يغض من قيمة أعمال يوبا الفكرية، فتبعه فى ذلك تلامذته من الأوروبيين الذين أرخوا للمغرب الكبير فى عهد الاستعمار الفرنسي، كما تبعوه فى تحاملهم على أبيه يوبا الأول من أجل حرصه على سيادة مملكته. والدافع عند Gsell ومن تبعوه هو أنهم كانوا يعتبرون الفرنسيين ورثة للرومان فى أفريقية الشمالية.
وإذا انتقلنا إلى مؤلفات يوبا الثانى فهى كثيرة لا يمكن عدها أو حصرها، ومنها: "تاريخ بلاد العرب" الذى وضعه لتعليم يوليوس قيصر إمبراطور الرومان، و"آثار آشور" و "آثار الرومان القديمة"،كما كتب عن "تاريخ المسارح " الذى تحدث فيه عن الرقص وآلاته الموسيقية ومخترعى هذه الفنون، وكتب " تاريخ الرسم والرسامين"، وكتاب "منابع النيل" بله عن كتاب "النحو" و"النبات".
ويظهر لنا هذا الكم الهائل من الكتب أن يوبا الثانى كان من المثقفين الأمازيغيين الكبار الذين تعتمد عليهم الإمبراطورية الرومانية فى التكوين والتأطير والتدريس وجمع المادة المعرفية المتنوعة التى تتمثل فى الجغرافيا والحفريات واللغويات والفنون والتاريخ والطبيعيات... وكانت ليوبا الثانى مكانة كبيرة فى المجتمع الرومانى مادام قد حظى بتدريس يوليوس قيصر الرومانى وسهر على تثقيفه وتعليمه. وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان يوبا الثانى يهتم بتجميل الحواضر وتزيينها بفن عمارتها وهندسة مبانيها وجمال مدنها كما يقول المؤرخون "خاصة عاصمتيه أيول "قيصرية" ووليلي، مما يعكس ذوقه ومدى الرخاء الذى شهدته مملكته.